فصل: مسير الموفق إلى أصبهان والجبل.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مسير الموفق إلى أصبهان والجبل.

كان كاتب أتوتكين أنهى إلى المعتضد أن له مالا عظيما ببلاد الجبل فتوجه لذلك فلم يجد شيئا ثم سار إلى الكرخ إلى أصبهان يريد أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف فتنحى أحمد عن البلد بعسكره وترك داره بفرشها لنزل الموفق عند قدومه ثم رجع الموفق إلى بغداد.

.قبض الموفق على ابنه أبي العباس المعتضد ثم وفاته وقيام ابنه أبي العباس بالامر بعده.

كان الموفق بعد رجوعه من أصبهان نزل واسط ثم عاد إلى بغداد وترك المعتمد بالمدائن وأمر ابنه أبا العباس وهو المعتضد بالمسير إلى بعض الوجوه فأبى فأمر بحبسه ووكل به وركب القواد من أصحابه واضطربت بغداد فركب الموفق إلى الميدان وسكن الناس وقال: إني احتجت إلى تقويم ابني فقومته فانصرف الناس وذلك سنة ست وسبعين وكان عند منصرفه من الجبل قد اشتد به وجع النقرس ولم يقدر على الركوب فكان يحمل في المحفة ووصل إلى داره في صفر من سنة سبع وطال مرضه وبعث كاتبه أبا الصفر ابن بلبل إلى الميدان فجاء بالمعتمد وأولاده وأنزله بداره ولم يأت دار الموفق فارتاب الأولياء لذلك وعمد غلمان أبي العباس فكسروا الأقفال المغلقة عليه وأخرجوه وأقعدوه عند رأس أبيه وهو يجود بنفسه فلما فتح عينه قربه وأدناه وجمع أبو الصقر عنده القواد والجند ثم تسامع الناس أن الموفق حي فتسللوا عن أبي الصقر وأولهم محمد بن أبي الساج فلم يسع أبا الصقر إلا الحضور بدار الموفق فحضر هو وابنه وأشاع أعداء أبي الصقر أنه هرب بمال الموفق إلى المعتمد فنهبوا داره وأخرجت نساؤه حفاة عراة ونهب ما يجاوره من الدور وفتقت السجون ثم خلع الموفق على ابنه أبي العباس وأبي الصقر وركب إلى منزلهما وولى أبو العباس غلامه بدار الشرطة ثم مات لثمان بقين من صقر سنة ثمان وسبعين ودفن بالرصافة واجتمع القواد فبايعوا ابنه أبا العباس المعتضد بالله واجتمع عليه أصحاب أبيه ثم قبض المعتضد على أبي الصقر ابن بلبل وأصحابه وانتهبت منازلهم وولى عبد الله بن سليمان بن وهب الوزارة وبعث محمد بن أبي الساج إلى واسط ليرد غلامه وصيفا إلى بغداد فأبى وصيف وسار إلى السوس فأقام بها.

.ابتداء أمر القرامطة.

كان ابتداء أمرهم فيما زعموا أن رجلا ظهر بسواد الكوفة سنة ثمان وسبعين ومائتين يتسم بالزهد وكان يدعى قرمط يقال لركوبه على ثور كان صاحبه يدعى كرميطة فعرب وقيل بل اسمه حمدان ولقبه قرمط ويقال وزعم أنه داعية لأهل البيت للمنتظر منهم واتبعه العباس فقبض عليه الهيصم عامل الكوفة وحبسه ففر من حبسه وزعم أن الإغلاق لا يمنعه ثم زعم أنه الذي بشر به أحمد بن محمد ابن الحنفية وجاء بكتاب تناقله القرمطة فيه بعد البسملة: يقول الفرح بن عثمان من قرية نصرانه أنه داعية المسيح وهو عيسى وهو الكلمة وهو المهدي هو أحمد بن محمد بن الحنيفة وهو جبريل وإن المسيح تصور له في جسم إنسان فقال له إنك الداعية وإنك الحجة وإنك الناقة وإنك الدابة وإنك يحيى بن زكريا وإنك روح القدس وعرفه أن الصلاة أربع ركعات قبل طلوع الشمس وركعتان قبل غروبها وأن الأذان بالتكبير في افتتاحه وشهادة التوحيد مرتين ثم شهادة بالرسلة لآدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم عيسى ثم محمد صلوات الله عليهم ثم لأحمد بن محمد بن الحنيفة ويقرأ الاستفتاح في كل ركعة وهو من المنزل على أحمد بن محمد الحنيفة والقبلة بيت المقدس والجمعة يوم الاثنين ولا يعمل فيه شيء والسورة التي يقرأ فيها: الحمد لله بكلمته وتعالى باسمه المنجد لأوليائه بأوليائه قل إن الأهلة مواقيت للناس ظاهرها ليعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيام وباطنها أوليائي الذين عرفوا عبادي سبيلي إتقوني يا أولى الألباب وأنا الذي لا أسأل عما أفعل وأنا العليم الحكيم وأنا الذي أبلو عبادي وأمتحن خلقي فمن صبر على بلائي ومحنتي واختباري ألقيته في جنتي وفي نعمتي ومن زال عن أمري وكذب رسلي أخلدته مهانا في عذابي وأتممت أجلي وأظهرت على ألسنة رسلي فأنا الذي لم يعل جبار إلا وضعته وأذللته فبئس الذي أصر على أمره ودام على جهالته وقال: لن نبرح عليه عاكفين وبه موقنين أولئك هم الكافرون ثم يركع ويقول في ركوعه: مرتين سبحان ربي ورب العزة وتعالى عما يصف الظالمون وفي سجوده الله أعلى مرتين الله أعظم مره والصوم مشروع يوم المهرجان والنيروز والنبيذ حرام والخمر حلال والغسل من الجنابة كالوضوء ولا يؤكل ذوناب ولا ذو مخالب ومن خالفهم وحارب وجب قتله وإن لم يحارب أخذت منه الجزية انتهى إلى غير ذلك من دعاوى شنيعة متعارضة يهدم بعضها بعضا وتشهد عليهم بالكذب وهذا الفرح ابن يحيى الذي ذكر هذا أول الكتاب أنه داعية القرامطة يلقب عندهم ذكروية بن مهروية ويقال إن الظهور هذا الرجل كان قبل مقتل صاحب الزنج وإنه سار إليه على الأمان وقال له: إن ورائي مائة سيف فتعال نتناظر فلعلنا نتفق ونتعاون ثم تناظرا فاختلفا وانصرف قرمط عنه وكان يسمى نفسه القائم بالحق وزعم بعض الناس أنه كان يرى رأي الأزارقة من الخوارج.